معنى كملة (لغز).
اللغز في العربية كلمة كانت تعني حجر الضب والفأر واليربوع (القاموس المحيط، نقد الشعر)، فألغز اليربوع إذا حفر لنفسه مستقيماً ثم أخذ يمياً ويساراً ليُعمَّي بذالك طالبه، وقيل إن الألغاز هو الطريق التي تلتوي وتشْكل على المرء ثم أخذت هذا الكلمة تلتصق بكل ما هو محير ومبهم، ويحتاج إلى تفكير طويل لمعرف الإجابة عليه حتى اختفى المعنى الأصلي للكلمة وطغى عليها هذا المعنى، فاصبحت كلمة لغز تعني: الأمر المحجوب والمبهم.
بالإضافة إلى معنى آخر هو هواية الألغاز والأحاجي الذكية التي يضعها الإنسان بكافة أنواعها وأصنفها.
سعى الإنسان منذ أن خلقه الله سبحانه وتعالى واهباً إياه العقل إلى البحث ومعرفة الإنسان ما حوله، ويتعلم منها ما يفيده وما يضره، إذ ترك الباري عز وجل حولنا أسراراً كثيرة لا يزال أغلبها ألغازاً مبهمة بالنسبة لنا يصعب حلها، ولكن الله يلهم أحد الناس فجأة حلاً لأحد الألغاز فتستفيد منه البشرية جميعاء أحيناً.
الألغاز في العصر القديم:
بدأ ولع الإنسان بالألغاز منذ القدم مع بدايات الحضارات الإنسانية المختلفة، وما الألغاز الحالية إلا تركمات التراث الثقافي لهذه الحضارات البائدة والسائدة معاً. وتفنن الإنسان في ابتكار وتنويع الألغاز حتى أصبحت من أهم وسائل الترفيه والتسلية لديه على مدى ألاف السنين حيث أدرك بالأضافة إلى أهميتها الترفيهية أن لها فوائد أخرى أساسية أيضاً هي تنمية وتدريب العقل على التذكر والتفكير بذكاء وسرعة بديهة وقوة ملاحظة، بالإضافة إلى زيادة المعرفة والثقافة العامة لدى المهتمين بها.
ليس هناك بحوث كثيرة موثقة عن تايخ الألغاز، بل هي معلومات متناثرة أتتنا عبر التاريخ، من خلال الأثار والحفريات والوثائق المختلفة. فالفراعنة اهتموا اهتماماً كبيراً بالأحاجي، وهي ألغاز التورية الكلامية، وإذ كانت جزءاً من تراثهم، فمثلاً: ما هو الشئ الذي له صوت واحد وهو ذو أطراف أربعة ثم أثنان ثم ثلاثة؟ (الإنسان بمراحل عمره المختلفة والأخيرة بعكاز). ويجب أن لا ننسى ننسى ألغاز الأهرامات، وقبورهم السرية، وطريقة تحنيطهم للمومياء. أما اليونانيون فقد اهتموا بالألغاز الشعرية إذ إن الشاعر (بندار) مثلاً كان يؤلف أشعاراً تحوي رسائل سرية أو رمزاً ما، كما كتب (ترايفودورس) 24 جزءاً عن تاريخ الأوديسا متجنباً كتابة حرف يوناني محدد في كل جزء من أجزاء هذا الكتاب. ومن الألغاز الرياضة رجل اسمه (ديمو كارس) عاش ربع عمره صبياً وخمس عمره شاباً وثلث عمره بالإضافة إلى 13 سنة عاشها رجلاً، فكم كان عمره؟ (60 سنة).
كما تعلم اليونانيون من الحضارة الصينية ألغاز المربعات السحرية التي تعباً بالأرقام بحيث يكون مجموعها أفقياً وعمودياً واحد، فقد ظهرت هذه المربعاً السحرية في الصين عام 2500 قبل الميلاد، وأتى بها إلى اليونان (مسخو بولس) في حدود 1300 قبل الميلاد. وقد براع الصينيون في ألغاز الأوراق المقطعة التي يرتبونها في أشكال هندسية ثم يطلب إعادة ترتيبها في أشكال أخرى، مثل الأرنب أو الكرسي أو غير ذالك، وهي معروفة معروفة في الصين باسم (جي جسوبان).
أما الحضار الهندية في أيضاً مليئة بالألغاز الشعرية والأحاجي، وبالإضافة إلى عدد من الألغاز الرياضية الشعرية، مثل اللغز التالي الذي كتب بطريقة شعرية: ماهو العدد الذي اذا ضربناه في 3 ، ثم أضفنا أليه 4/3 الناتج، ثم قسمنا ذالك على 7، ثم طرحنا من ذلك ثلث الناتج، ثم أضفنا له 8، ثم قسمنا الناتج على 10 يبقى لدينا 2. (نبدأ بالعكس من 2 فنحصل على في النهاية على 28).
أما في اليابان فقد ظهرت لديهم أنواع من ألغاز المنطق في القرن الرابع عشر الميلادي، مثل ألغاز (الهيروإيمونو) التي تعتمد على اللعبة اليابانية الشهيرة GO.
أما العرب والمسلمون فإسهامهم في الألغاز كبير جداً وثري، فقد تفنن العرب وبرعوا في الأنواع المختلفة من الألغاز، وألفوا فيها كتباً، واهتموا بتصنيفها بطرق علمية ومنهجية، وقد تركوا تراثاً كبيراً في مخطوطاتهم العلمية والفنية والأدبية الكثيرة والموزعة على جميع متاحف ومكتبات العالم، لأن الألغاز احتلت مركزاً مرموقاً في مجالسهم العامة والخاصة بصفتها هواية جميلة تنمي الذكاء والفطنة، والملكة اللغوية والثقافية العامة. كما اهتم العرب والمسلمون بالشطرنج، والفوا فيه الكثير من الكتب التي احتوت على مواقف شطرنجية (منصوبات) مختلفة لا تزال مخطوطات تقبع في المكتبات الإسلامية مثل القاهرة وإسطنبول.
الألغاز في العصر الحديث:
منذ القرن السادس عشر الذي شهد بدء عصر النهضة في اوروبا بدأت المجتمعات الأوربية تهتم بالنشاطات الأدبية والفنية والرياضية، والهوايات والألغاز المختلفة، حيث ظهر الإبداع في كافة هذه المجالات مرفقاً للتقدم العلمي والصناعي. وقد كان للألغاز نصيب كبير في ذالك، حيث ظهر الكثير من المهتمين بها خلال القرون الثلاثة الماضية، الأمر الذي طور هذا الجانب ونوعه، فكثرت ألغاز المنطق والألغاز الرياضية والهندسة الميكانيكية.
وشاعت بين الناس والجامعات الأوربية، ووصل هذا الاهتمام إلى البلاطات والملوك، فها هي الإمبراطورة النمساوية (ماريا تريزا) في عام 1769م تستدعي كبير مهندسيها (ولفاجانج فون) ليحل لها الحيل التي قدمها لها الفرنسي (بلاتير). ويعد (فون كمبلين) عبقرياً في الأليات والميكانيكا، حيث صمم الأنظمة الهيدروليكية لنوافير عدد من القصور، لكن (فون كمبلين)استطاع أن يسحر الأمبراطورة وبلاطها، ثم أوربا كلها، بأن صمم آلة كبيرة تلعب الشطرنج لعباً جيداً وهي في زي رجل تركي، وسميت (الرجل التركي) سحرت الملوك والأمراءوالناس على السواء منذ بنائها (1773م)، وكانت تهم الكثير من الذين لعبوا معها، إلا أنها أنهزمت من قبل أشهر اللاعبين أنذاك (فليدور ) وغيره. وقد تولى تشغيلها فيما بعد عدة أشخاص، لذالك استمرت شهرتها حتى القرن التاسع عشر حيث انكشف سر الآلة وهو وجود غرفة سرية صغيرة داخلها يستلقي لاعب صغير الجسم يحرك القطع بعد رؤيتها بمرأة.
وقد ظهرت عدة ألغاز في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كألغاز التوصيل والتلوين والرسم والخداع البصري، بالإضافة إلى الكثير من الألغاز الحسابي، وأغلب هذه الألغاز لا تزال حية تنتقل من كتاب إلى آخر، ومن شكل إلى أخر ومن مجتمع إلى أخر. وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأ ظهور كتب للألغاز المختلفة بشكل مكثف، كما بدأتى الصحف الأوربية والأميريكية تفتح صفحاتها لمؤلفي الألغاز، فظهرت صفحات للألغاز الرياضية، ,الغاز المنطق، والشطرنج، والألغاز اللغوية، كما ظهرت سوق كبيرة للألغاز الميكانيكية والورقية والرسوم، واستخدمتها أيضاً الشركات في التروج والدعاية لمنتجاتها.
وقد اهتم الكثير من المشاهير بالألغاز، فالقائد الفرنسي (نابليون بونابرت) والمؤلف الروائي (إدجا ألن بو - أول من ألف رويات بوليسية)، و(لويس كارول - أستاذ الرياضة ومؤلف رواية أليس في بلاد العجائب)، و(سام لويد - ملك الألغاز في الولايات المتحدة) كانوا جميعاً من هواة ألغاز الأوراق المقطعة الصينية في القرن التاسع عشر، وهي عبارة عن عدد ثابت من الورق المقطع على هيئة أشكال هندسية يقوم اللاعب بترتيبه عدة مرات بأشكال محددة من الحياة كأحد الحيونات أو الأدوات المنزلية، وقد ألف (سام لويد) كتاباً كاملاً في هذا الموضوع يحتوي على 700 شكل تم ترتيبها بسبع قطع ورقية فقط.
وقد تطور عالم الألغاز المعاصر تطوراً كبيراً وتنوع بشكل مكثف حيث صدرت مئات الكتب، وظهرت عدة مجلات ودوريات مختصة.
يتبع غداً أشهر مؤلفين الألغاز في العصر الحديث>>>>>
الإثنين أبريل 14, 2008 9:54 am